مقدمة إشكالية:
تمثل ثورة 1917م حدثا بارزا في تاريخ روسيا المعاصرة حيث ارتبطت بإقامة اتحاد سوفياتي اشتراكي. وبالموازاة مع ذلك كانت بعض دول أوربا الغربية الديمقراطية على موعد مع أزمات خطيرة. فما هو السياق التاريخي لاندلاع الثورة ومراحلها؟ وما محطات/ خطوات إرساء النظام الاشتراكي السوفياتي وترسيخه مع كل من لينين وستالين؟ وماذا عن مظاهر أزمات الديمقراطيات الغربية وبالضبط فرنسا وإيطاليا؟
أولا: سياق/ ظروف اندلاع الثورة الروسية ومراحلها.
1- سياق/ ظروف اندلاع الثورة الروسية.
مهدت مجموعة من الظروف الداخلية والخارجية لقيام الثورة بروسيا نذكرها كالتالي:
- سيادة نظام قيصري أتوقراطي (استبدادي)، ممثلا في القيصر نيقولا الثاني الذي احتكر جميع السلط، كما انتشرت مظاهر الفساد الإداري وعدم التوافق بين الحاكم والشعب...
- انتشار تناقضات اقتصادية واجتماعية في المدن( أزمة اقتصادية بسبب تأخر الإقلاع الاقتصادي وتمركزه في مجالات محدودة، وأزمة اجتماعية تتمثل في بؤس الطبقة العاملة)، كما في البوادي(انفجار ديموغرافي وتفاوت اقتصادي اجتماعي ما بين فئة الكولاك /النبلاء المهيمنة على معظم الأراضي، وفئة الموجيك/ الفلاحين البؤساء والفقراء...
- بروز معارضة سياسية، أواخر القرن 19 ومطلع القرن 20 بقيادة أحزاب سياسية اختلفت فيما بيها من حيث قيادتها الاجتماعية وبرنامجها الإصلاحي ومنهجية نشاطها السياسي( الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الحزب الاشتراكي الثوري، الحزب الاشتراكي الديمقراطي).
- الانعكاسات السلبية لمشاركة روسيا في الحرب العالمية الأولى على الأوضاع العامة (خسائر مادية وبشرية، ندرة المواد الاستهلاكية، ارتفاع الأسعار وتنامي الاضرابات الشعبية...
2 - مراحل الثورة الروسية.
نتيجة تلك الأوضاع المتأزمة اندلعت ثورة 1917 بروسيا والتي نميز فيها بين مرحلتين كالتالي:
- ثورة 23- 27 فبراير 1917: بدأت بمظاهرات شعبية بالعاصمة الروسية بتروغراد ( مظاهرات النساء) انضم إليها العمال وجنود الاحتياط، فاضطر القيصر نيقولا الثاني للتنازل عن العرش، فتشكلت حكومة بورجوازية مؤقتة بقيادة كيرنسكي، التي قررت الاستمرار في الحرب العالمية، ووضعت برنامجا إصلاحيا لا يتوافق مع مطالب ومبادئ الثورة.
- ثورة 24- 25 أتوبر 1917: وتمثل مرحلة ثورة البلاشفة التي قادها لينين كرد فعل تجاه فشل إصلاحات الحكومة المؤقتة ونهجها لسياسة قمعية تجاه المعارضين... فاستغل البلاشفة هذا الوضع لاعلان الثرة والتي نجحت في اسقاط الحكومة المؤقتة.
ثانيا- خطوات إرساء النظام الاشتراكي السوفياتي مع لينين وترسيخه مع ستالين
1- خطوات و صعوبات إرساء النظام الاشتراكي السوفياتي في عهد لينين (1917- 1924)
- أصدر لينين عدة مراسيم استعجالية فور وصول حزبه إلى السلطة نصت على: الانسحاب من الحرب العالمية الأولى، وتوزيع الأراضي على صغار الفلاحين، وتأميم المؤسسات الصناعية، ومنح الشعوب حرية تقرير المصير.
- وقد واجهت الثورة عدة مشاكل، كالحرب الأهلية 1918م؛ التي جاءت كرد فعل من البورجوازية وكبار الملاكين ضد تجريدهم من ممتلكاتهم، فشكلوا قوات الجيش الأبيض الذي تلقى الدعم من القوى الرأسمالية الأوربية. وواجه الجيش الأحمر بقيادة تروتسكي الثورة المضادة واستطاع القضاء عليها، كما طبق لينين مبدأ شيوعية الحرب(1919- 1921) ، وخلالها عرفت روسيا أزمة اقتصادية، حيث تم إلزام الفلاحين بتقديم فائض إنتاجهم للدولة دون مقابل ليساهم الجميع في تكاليف الحرب الأهلية، إضافة إلى تأميم الصناعة والتجارة ووسائل النقل، وإعلان الحزب الشيوعي حزبا وحيدا بالبلاد.
- وقد خلفت الحرب الأهلية مشاكل كثيرة عانى منها المجتمع الروسي، وللتخفيف منها نهج لينين سياسة اقتصادية جديدة NEP (1922- 1928) تراجع فيها مؤقتا عن الاشتراكية وعاد للرأسمالية بشكل محدود، حيث سمح للفلاحين ببيع منتجاتهم بكامل الحرية، وأعاد مؤسسات صناعية صغرى للرأسمال الأجنبي، وسمح بالتجارة الحرة، وسك النقود، مما أدى إلى انتعاش الاقتصاد وتحسن المستوى الاجتماعي.
2- ترسيخ النظام الاشتراكي في عهد ستالين (1928- 1953)
- بعد وفاة لينين عام 1924 وقع صراع حول السلطة بين تروتسكي وستالين، حسمه هذا الأخير لصالحه، فعمل على ترسيخ النظام الاشتراكي السوفياتي من خلال نهج سياسة التخطيط/ المخططات الخماسية بعد احتكار الدولة لكل القطاعات الاقتصادية.
- وتضمنت سياسته وضع تصاميم خماسية تهدف إلى ترسيخ النظام الاشتراكي، وذلك بتأميم الصناعة والتجارة، وإنشاء التعاونيات الفلاحية "الكولخوزات"، وضيعات الدولة "السوفخوزات"، وإعطاء الأولوية للصناعة الثقيلة، وصناعة الأسلحة عندما اندلعت الحرب العالمية الثانية، وتنمية شبكة المواصلات، وتحرير البلاد من بقايا الإقطاع والرأسمالية، وقد أدت سياسة التخطيط الإشتراكي إلى تحولات اقتصادية واجتماعية مهمة، واحتلال الاتحاد السوفياتي مكانة مهمة عالميا. على الرغم من التضييق والتقييد الذي طال الحريات العامة والحقوق الإنسانية (منع الأفكار النقدية، منع الاحتجاجات وقمع أصحابها...).
<><>
ثالثا- أوضح مظاهر أزمات الديمقراطيات الغربية (نموذجا فرنسا وإيطاليا ).
1- أصف تراجع مكانة أوربا بعد الحرب وأفسره:
- سياسيا: عدم استقرار الحكومات، اضطراب سير المؤسسات، وتصاعد ظاهرة العنف السياسي، وبروز أحزاب يسارية ويمينية متطرفة؛
- اقتصاديا: تفاقم الأوضاع النقدية، وظاهرة التضخم، وانخفاض حجم الإنتاج، وإفلاس المؤسسات البنكية، وركود المبادلات التجارية
- اجتماعيا: ارتفاع الأسعار، وتراجع القدرة الشرائية، وانتشار البطالة، وتصاعد موجة الإضرابات العمالية.
تراجع أوروبا سياسيا، اقتصاديا واجتماعيا تسبب في زعزعة مكانة الأنظمة الديمقراطية الغربية.
2- تجليات الأزمة في فرنسا:
- سياسيا: أزمة المؤسسات التنفيذية (توالي حكومات ائتلافية ضعيفة) التشريعية (ضعف أداء مؤسسة البرلمان بسبب غياب أغلبية برلمانية والصراعات بين الأحزاب؛
- اقتصاديا: أزمة اقتصادية ومالية تجلت في تدهور السوق الداخلية بسبب غزو السلع الأجنبية الرخيصة وتفاقم الوضع النقدي؛
- اجتماعيا: تضرر المجتمع من نتائج الحرب، وانتشار البطالة...
2- تجليات الأزمة في إيطاليا:
- سياسيا: ضعف سلطة الملك إمانويل والحكومات المتعاقبة والصراع ما بين الأحزاب وبروز العنف السياسي ممثلا في الحزب الفاشي بقيادة موسوليني الذي استولى على السلطة معلن تأسيس دولة ديكتاتورية فاشية(قائد واحد، حزب واحد، وطن واحد) ؛
- اقتصاديا: انهيار اقتصادي بسبب إفلاس المؤسسات الصناعية الكبرى...؛
- اجتماعيا: تراجع القدرة الشرائية وانتشار البطالة ما تسبب في تنامي حركات احتجاجية وإضرابات في المدن وأعمال عنف في المدن والبوادي...
خاتمة تركيبية:
نستنتج مما سبق أن جح ثورة 1917 ساهم في ميلاد أول تجربة حكم اشتراكي في العالم. بينما في المقابل واجهت الديمقراطيات الغربية أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية. فكيف ستتعامل مع تداعيات أزمة 1929 الاقتصادية؟
مفاهيم ومصطلحات وأعلام:
النظام الاشتراكي السوفياتي، لینین، ستالين، السياسة الاقتصادية الجديدة، سياسة التخطيط، الديمقراطية الليبرالية.